المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, 2023

سلمى تكتب- اليوم التاسع والستون

في الطريق بكيتني من فرط الألم، لم أستطع منع دموعي من الانهمار بعد يوم متعب وألم لا ينتهي، لحظة ضعت فيها بين هواني في عيني ووجعي غير المحتمل ووحشتي في كليهما. باءت كل محاولات السيطرة على الدمع بالفشل، قرر جسدي أن يبكي كل ما يثقله كأنما اكتشف أسفاره ومتاعه فجأة، مما جعله يرزخ تحت ضغط الأحمال، صخرة نبتت من كتف سيزيف من عدم لتشقيه، شقاء فوق شقاء ووهنًا على وهن. وددت لو ينتهي العالم في التو، كيف تجرؤ الحياة على استكمال دورانها وأنا في حالي هذه؟! كيف لا تنهد الجبال وتجف الأنهار لدمعي؟  أحاول تهدئة نفسي: هذا ديدن الحياة، تسير وتدور ولا تلتفت لأحد، كل هذا الزخم سيخبت والدمع سيجف وسنكون بخير. أكمل الطريق بعد سيطرتي على فوران المشاعر المتأججة، بكتف مرفوع ومشية واثقة كأن شيئًا لم يكن، أدير المفتاح في بوابة البيت وأغلقه خلفي، ثم أنسكب. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثامن والستون

يقف في المنتصف بين التيه والوجهة تمر به قوافل وبلاد وفصول متعاقبة يتحرك قليلًا فيميل العالم من حوله يتراجع قدمين نحو الماضي فيضطرب فؤاده يقف.. ينتظر.. يأمل في ماذا؟ لا يعرف صدقًا أين السيارة؟  لا أحد يعبر فيافي وحدته يكتب اسمه على الرمال جواره  خشية نسيانه من طول الوقوف صامتًا مستوحشًا يحاول الجلوس فتتهشم الأرض من ثقل أفكاره يحدق في الأفق..  سراب لامع لمستقبل يجد فيه راحة وسلامًا لكنه يتبدد مع غروب الشمس وتستحيل دنياه بقعة حبر سوداء  على قماش الزمن  #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم السابع والستون

الريح شديدة والجو معبأ بالغبار، اختاروا شاطئ البحر لنلتقي وكان قرارًا سيئًا. حاولت مغالبة الجو والاقتراب من الماء ربما يصبح الأمر أفضل دون جدوى، الهواء شديد والتراب يصفع وجهي، لحظات لا يهم فيها حبك للبحر ونسمة الهواء لتتحمل تقلباته. بعد تعقل قررنا ترك البحر وراءنا والتحرك لمكان أفضل وأهدأ، أدركت أن الحب وحده لا يكفي، لا يكفي لتحتمل ما لا تطيق من تقلبات وعثرات في الحياة. يتشبث عصفور بعشق سمكة، يصارع الماء والقروش والحيتان، يقاوم كل موج غادر وكل غرق وشيك ليبقى في جوار محبوبته، لكنها علاقة لا تحمل خيرًا ولن تفضي إلى مستقبل مشترك. تبدو قصتهما حالمة ممتعة لمراهق في فورة اشتباكه مع الحياة، في ذهن فتاة طيبة استمعت لحكايات الأميرات اللاتي ينقذهن الأمير ليقعوا في الحب ويعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات، أما نحن المتجاوزون للأحلام فنراها حماقة ستودي بحياتهما معًا إن أصرا على التشبث بجوار الفناء. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الخامس والستون

لم أنم جيدًا. يكفي هذا لقلب يومي وتعكير مزاجي وجعلي متعبة متوجعة لا مرهقة فحسب، كان نوًا متقطعًا مزعجًا، وأيقظتني أمي لأمر طارىء ولم تغلق الباب جيدًا مما زاد طين الليلة المؤرقة بلة. تذكرت رباب الطالبة بالسنة الجامعية الأخيرة التي قادها حظها العاثر للغرفة المجاورة لنا في عامنا الأول من السكن الجامعي، كنا صاخبين أغلب الوقت ولا تخلو غرفتنا من الزوار مما حرمها قيلولتها وكان سبب المشاكسات بيننا، صحيح أنها تعودت على طباعنا وأصبحت تشاركنا الحديث والتجمعات، لكني أشفق عليها مما خبرته من طيشنا.  وعلى النقيض كانت آية توقظنا عند الفجر بالطرق على الأبواب في توغل البرد القارس، تظل مستمرة في الطرق والنداء حتى نستيقظ، أقف جامدة أرتعد من فكرة الماء البارد في فجر يوم من يناير، تبتسم وتقول: عشان يبقى جهادين.. جهاد الاستيقاظ والماء البارد. أتذكر كل هذا وابتسم، وأكمل العمل بجسد جائع للنوم.

سلمى تكتب- اليوم الرابع والستون

هل تعلم عزيزي القارىء أني أحب المحاولة كفعل منفصل عن هدفه أو نتيجته؟ ربما محاولاتي بسيطة ولا أعطيها القدر الكافي من طاقتي لأسباب يطول شرحها، ومع هذا أحب المحاولات وتأسرني بشدة. من بين تلك المحاولات هي عملي في صناعة قطع جديدة لمتجري الصغير طوال ٤ أشهر دون طلب شراء واحد، بل ذهبت أبعد من ذلك ولم أعطل حسابي على انستاجرام في رمضان كما العادة، بناءً على نصيحة اختصاصية تسويق، صور.. فيديوهات.. وفوازير كلها لم تحرك ساكنًا لأي عميل. هذا الالتزام دون نتائج أكسبني فرصة لحضور تدريب تسويقي بشكل ما، لذا فالمحاولات لم تفتح باب الطلبات ولكنها فتحت بابًا لفرصة مجانية تساعدني بشكل آخر في تحسين منتجاتي. وعلى ذكر الأبواب كتبت إحدى صديقاتي اليوم عن عدد المحاولات للتقديم على وظيفة خلال عام واحد، رقم توقفت أمامه لبرهة مندهشة من محاولاتها الحثيثة وطرقها الأبواب دون إجابة، وأنا أدعو لها بالخير الكثير فالرزاق لا يعجزه شيء. حبي للمحاولات يجعل بدء علاقة معي أصعب، أحتاج جهدًا وأقدم جهدًا فليس لي حاجة بمعارف سطحية وتواصل مبتور ركيك، ولأن دائرتي المقربة تجيد المحاولات وتنجح في جعلها مثالية، يترسخ توقعي من نفسي والآخر...

سلمى تكتب- اليوم الثالث والستون

"نسيت ورقة الطلبات" قالها العم السبعيني بسعادة مفرطة حين وجدها، "هتقولي نسيت كذا هاقولها لا كله في الورقة" وضحكنا معًا. أخبرته أني أكتب الطلبات على الهاتف، الحقيقة أنا أكتب كل شيء، مصروفاتي وتفاصيل متجري اليدوي الصغير وحساباته وأفكار الكتابة كي لا تفلت، الكتابة تقيني النسيان والتيه، ترتبني لا أفكاري فحسب وتضع الأمور في نصابها الصحيح عند سكبها على الورقة أو الشاشة في حالتي. يدخل شخص آخر كبير في السن يتوكأ على عكازه، يعطيني "ورقة طلبات" ومعها ورقة بالأدوية التي يحتاج، يطلب مني قراءتها لأنه نسي نظاراته. ورق مكتوب بخط اليد، بقلم أزرق كما أعتاد موظفو الحكومة، وفي ظهر ورق التقويم كأنها تُطبع لنستعملها باتفاق ضمني لكتابة الطلبات. بالأمس صادفتني صورة لورقة مكتوبة بخط اليد لوصفة، ومعها تعجب من صاحب الصورة كيف تملك كل الأمهات الخط ذاته؟ الورقة تشبه خط يد أمي حقًا، قلم أزرق بالطبع، واسم من نقلت عنه الوصفة بجوار اسمها، تضيف أمي تفصيلة أخرى للوصفة بعد التجربة، تكتب تقييمًا لها بجانب الاسمين "ممتاز.. جيد.. تحتاج كذا..إلخ". يكتب المصريون كذلك في كراس آخر "...

سلمى تكتب- اليوم الثاني والستون

للعيد نسمة هواء تخصه بصرف النظر عن الطقس، هكذا هممت أكتب في بداية نص اليوم، صحيح أنه دومًا تأتي ساعة بجو جميل وجسد يقشعر في سعادة من زيارتها، ومع هذا فالحقيقة منقوصة. حمل العيد إحساسًا مخلوطًا بالخطر والخوف، يستدعي صباحه أعيادًا سابقة مليئة بالصدمات والذكريات الثقيلة، كنا تتوارى عن نظر العالم في سعادتنا كأطفال كي لا ينتزعها منا، كلعبة جاءت بعد طول انتظار ثم تهشمت تحت عجلة سيارة مسرعة، رأيناها -سعادتنا- تندهس تحت قدم العالم. لاحظت بعض الكتاب يتحدثون عن صدمات مشابهة، وذكريات أليمة أرتبطت بالأعياد ولم يستطيعوا كسر حصارها لقلوبهم حتى الخمسينات من عمرهم، نوستالجيا جمعية من الرعب والألم اشترك فيها جيلان كاملان -ربما أكثر- على الرغم من اشتياق أناملهم الغضة لغبار الفرح.

سلمى تكتب- اليوم الحادي والستون

يوم عيد عادي ونحن في نعمة، إخوتي بخير ونحن مجتمعون ولا جديد يذكر غير أننا تبادلنا العيديات والحلوى. لم أحضر صلاة العيد، شاهدت الصور عبر الانترنت وسعدت بفرح الناس بيومهم هذا في جوار أحبتهم، لكن قلبي لا يفارقه الحزن حين أرى أطفالًا جميلين في ثوب صلاة أو فستان جديد لآباء من عمري، أدعو الله لهم ولنفسي أن لا يطول حرماني ووحدتي. غدًا أعود للعمل، لن تمهلني الحياة وقتًا كي استشعر جو العيد والإجازة، سيبدأ العمل وتعود عجلة الروتين للدوار بأسرع مما أتخيل. يبقى العيد مبهجًا ودافئًا بشكل أو بآخر، تحلية واجبة بعد طول صيام.

سلمى تكتب- اليوم الستون

ليلة العيد.. لست سعيدة ولا حزينة وهذا جيد، فقط صباح العيد هو الذي يحدد مشاعري تجاه قدومه، ويستمر هذا الشعور وأثره لبقية الأيام. كان رمضان جيدًا رغم كل شي، هدوء نسبي ومحاولة للمواظبة على القيام وكبح الغيظ قدر الإمكان. بعض الأيام مرت عصيبة وبعضها مرت بلا مشكلات، أما قلبي فلزم الدعاء. الجو معتدل وصاف وغدا العيد.

سلمى تكتب- اليوم التاسع والخمسون

تخبرني صديقتي أنها لا تريد إزعاجي بما يشغل بالها بحجة ضآلته مقارنة بمشكلاتي في الأيام الأخيرة، أطمئنها بعدم حاجتها للسكوت، فالأمر ليس مبارزة في من هو الأتعس، وبرغم افتقاري لما قد يفيدها من نصح، فأنا أتفهم وأقدر وكلي آذان صاغية. لا أعرف لماذا نقرر درجة مشكلة ما نمر بها في جدول الحياة؟ وما هي الشدة المسموحة للبوح والشكوى؟ أعرف أهمية الصبر والجلد واللجوء إلى الله، ويجب على الإنسان أن لا يكون شكاءً بكاءً كما يقول طه حسين، لكن الشكوى تخفف من عجز الإنسان، وتنبه من حوله إلى غرقه لتمتد له يد العون إذا لزم، ولا تظلم عينيه كما في حال طه حسين حين قرر التجلد.

سلمى تكتب- اليوم السابع والخمسون.

قبل عيدي ميلادي بأربعين يومًا، خطر ببالي كتابة قائمة أمنيات لتحقيقها قبل مقدمه، أخذت أبحث عن أفكار لأختار منها لقائمتي، أمنية في مقابل كل عام من عمري. كتبت بضعة أفكار، استبعدت الكثير ولم أكملها. لم تحفزني القائمة على التحرك، وكانت طاقتي كبطارية معضعضة، ولا شيء ليجعل مزاجي أفضل ويدفعني لتنفيذ أي من الأفكار. منذ أيام تحققت أمنيتين في يوم واحد، صحيح أنهما حصلتا بعد عيد ميلادي، ومن تخطيط الأصدقاء.. لا يهم فقد سعدت جدًا بهذا اليوم، سعادة أصيلة لا رياء فيها، وما لبثت أن تبخرت مع طلوع شمس اليوم التالي. شعرت ببعض الذنب، لماذا لا يكفي يوم كهذا لشحن طاقتي لبضعة أيام على الأقل؟ من الواجب الامتنان والانغماس على في الشكر لأصحابي على الوقت الطيب يإطالة السكنى في هذه السعادة، ولكن قلبي معضعض.

سلمى تكتب- اليوم السادس والخمسون

"على ما تتكحل العمشا يكون السوق خرب" اتذكر قول معلمة اللغة العربية في السنة الأخيرة من المدرسة الإعدادية، كنا نتجهز للذهاب للمكتبة وطلبت مني إحضار الكراريس، فأخذت ألملم أقلامي وكتبي قبل الذهاب، لتباغتني بهذا المثل. لا تسألني لما قفز المشهد لعقلي وأنا أهم في الذهاب إلى العمل، عقلي يفعل ما يحلو له ولا يُسأل عما يفعل. لم أتذكر اسم المعلمة، لكني تذكرت ملامحها إلى حد ما، وأبرزها عين واسعة كحيلة كالمها، ربما لهذا اختارت المثل، كنت طالبة نجيبة وكان بيننا من الاحترام والمحبة ما يسمح لها بإلقاء الأمثال وتقريعي أحيانا فاتقبلها بأريحية. "لماذا تصون الذاكرة أشياء دون أشياء؟" أتساءل مع رضوى، لا يمكننا السيطرة على ذاكرتنا وتفاصيلها، نحن نملؤها ونحاول مراجعة لحظاتها الثمينة، وفي النهاية لا سلطان انا على أرشفتها لملفات الذكرى.

سلمى تكتب- اليوم الخامس والخمسون

"جاله المرض الوحش" تصف خالتنا إصابة جارها بسرطان الرئة، وكأن هناك مرض حلو، هكذا يتعامل الناس مع ما لا يريدون إدراكه، "ماسموش قمل دي حشرات راس"، "كانسر"، "اللي ما يتسماش".. غير اسمه وصفه بغير لغته ربما يتبخر. حين تحدثت عن ضيقي من تساقط شعري الجميل كأثر جانبي للأدوية التي لا مفر منها، "وأنا هاخد الدوا على طول يبقى مش هيبطل تساقط" نهرتني أمي لإن "بافول على نفسي"، فلا استعداد لديها لتفهم طبيعة ألمي وأسبابه وأدويته المزمنة.  يشبه الأمر التحدث عن محاربة فولدمورت مع مناداته فيما بيننا بـ"من لايجب ذكر اسمه"، لا يعفينا تجهيله من شعورنا بالخوف ولا هو يضعف أمام هذا التواري، بل يكبر وهو يتغذى على رائحة الرعب ويتعاظم.

سلمى تكتب- اليوم الرابع والخمسون

اكتشفت عبارة لابن عربي تقول: "ما ليلة القدر إلا ذاتُ رائيها" تتوافق مع منظوري الخاص عن ليلة القدر، كل منا يستشعرها في يوم فريد به دون سواه، هذا ما أومن به. ومع فضل هذه الليلة وتكهنات الصائمين وتوقعاتهم لحلولها، فهي لما تزل محجوبة عن علمنا، نجتهد للفوز فيها طوال العشر. "اللي بيحب بيستنى حبيبه كل يوم" لا أعرف أين سمعت العبارة في معرض الحديث عن فضل الليلة، فالطريق إلى الله لا ينقطع وهو موجود في كل حين، كل ما عليك هو أن تخطو، لا يهم متى ولا كيف المهم هو الطريق. تظل فكرة خصوصية استشعار ليلة القدر تداعب خيالي كلما زارتني سكينة وكُتب لي التوفيق في الطاعة في ليلة، رغم انعدام التشارك في شعوري مع أحد غيري، أتيتك يا رب ووفقت لطاعتك وهذا الجهد وعليك التكلان.

سلمى تكتب- اليوم الثالث والخمسون

ركبت الخيل للمرة الأولى اليوم، بل وكانت مفاجأة اجتهدت أختي في تحضيرها مع صديقاتي الأثيرات، خيل ومائدة عربية شهية على الإفطار في خيمة بجوار الإسطبل، وجو دافىء في الطبيعة بين أحبتي. أخذت أحمد الله طوال اليوم على نعمائه، أسجد فأحمده وأشكره، أدعو بعدها فأحمده وأشكره، وتصغر في عيني كل نقائص الدنيا أمام كرمه بحبهم لي واجتهادهم لإسعاد قلبي. كنت سعيدة من قلبي بعد طول حزن وتعب، وبين محاولة استيعاب عقلي لكل هذا الجهد لترتيب اليوم من أجلي، ومحاولة وجهي تحمل ضحكتي التي تشد عضلات ولا ترخي، أفلت قلقي وكدري وانغمست في هذا الحب الوافر. نشرت صورة لليوم وذيلتها بعبارة الأبنودي: "أنا ربنا جابني الدنيا من غير ورث واداني منابي فيكم" وأنا أصدقها من قرار قلبي. فلك الحمد يا خالق الحب والونس.

سلمى تكتب- اليوم الثاني والخمسون

يصيبني خدر خفيف في الساعات الأخيرة من الصيام، يكون جسدي هادئًا وفي حالة صفاء وحلم لا تشبهها أي حال أخرى، أتكلم بصوت خفيض ولا يغضبني ما يبدر من الناس من إزعاج وتسبح نفس في فضاء غير هذا الحيز الضيق من الدنيا. أقول: ربما لهذا يصوم العباد في جبال التبت، ويخشوشن المتصوفة في المأكل والمشرب، فالأمر أشبه بتطهر من الملذات المذهبات لصفاء العقل، وولوج صرح من السكينة المتفردة. لطالما أحببت الصوم، ولزمن طويل قبل الكثير من العثرات الصحية كان عبادتي الأقرب لروحي، ففيه من التحليق نحو فضاء من الحلم والسلام ما ليس في سواه من عبادة.

سلمى تكتب- اليوم الحادي والخمسون

سأسميه "آلام عظيمة" على غرار "آمال عظيمة" لتشارلز ديكنز، هكذا أجبت على سؤال تخيلي طرحته على نفسي، كان السؤال عن عنوان يصلح لسيرتي الذاتية. فكرت كثيرًا في عنوان لكتب سأنجزها ذات يوم، وجدت عناوين مختلفة وفكرت فيها بجدية، رغم أني مع الوقت لا أجد في نفسي توقًا لنشر كتابتي في روايات وكتب، ولأني أثرثر على الورق وعلى شاشة هاتفي وفي أوقات انطلاق لساني بحرية، فلا عجب من تفكيري في إجابة لهذا السؤال. حياتي التي ما زالت شابة بمقاييس الأعمار في العالم الآن هي سلسلة من الألم يسلم بعضه بعضًا، فترات نقاهة وتحسن وازدهار بعد طول أفول، ثم يعود الألم ليهجم علي ويحطم دفاعاتي ويقض مضجعي. يصعب علي تذكر أوقات الراحة والفرح دون تذكر الألم الذي صاحبها أو سبقها، لا يمكنني الإمساك بتلابيب الفرح منزوعًا من الأسى، وأحيانًا يصبح تخيل الأحداث السعيدة تدريبًا عقليًا صعبًا. يحكي عبد الوهاب مطاوع في أحد كتبه التي جمعت مقالاته، عن شخصية تدعى جبر، يزور جبر بلادًا أجنبية ويلاحظ شواهد القبور تحمل عمرًا لا يتناسب مع سنين الميلاد والوفاة المحفورة عليها، يخبره الدليل السياحي بأن العمر يقاس بالأوقات الجيدة ا...

سلمى تكتب- اليوم الخمسون

أخرجت صدقة صغيرة لامرأة في حاجة، لديها مرض مزمن يشبه مرضي، شعرت بأنه زكاة عن صحتي التي تحسنت ما بين الأمس واليوم، بعد ألم مفاجىء شديد قطع فترة استقرار المرض. حين وقفت لصلاة القيام قرأت الآية: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم" وباختلاف تفسير الآية والصدقة المقصودة فيها، إلا أني استشعرت مال الصدقة تزكية وتطيراً لبدني من المرض، وشكرًا لله على تغيير الحال لأحسنه، شكر لا يضاهي نعمة الصحة. يمس قلبي معنى كهذا أكثر مما تمسه الخطب والمواعظ والتفاسير، محاولة فهم المعنى والمقصد خلف الأمور، عدم تضييق النظر ومحاولة فهم العالم من خلال الدين بشكل أوضح. ومهما ضاقت الدنيا وكرهت نفسي وحظي منها، يبقى في قلبي شيء من النور يضيء ليله الأكحل، يذكرني بالخير في نفسي ولو طال الحيد عن الطريق فهذا الواقر فيه سيرشحه لا محالة.

سلمى تكتب- اليوم الثامن والأربعون

اليوم هو عيد ميلادي الأول بعد الثلاثين، رقم يصبح واقعًا وشاهدًا على انسكاب أيام عمري بلا عودة، بالكثير من الألم والقليل من الرضا وبقية إيمان متجذر. بدأ اليوم بانخراط هستيري في البكاء، يعلو ويتعاظم مع كل محاولة لتهدئتي، نوم مرهق بكوابيس عادت لتأخذ مكانها في حياتي بعد طول انقطاع، ثم آلام فظيعة أيقظتني من نومي، لتستمر لساعات قبل استشارة الطبيب. لا أهتم بفكرة عيد الميلاد، ومع التقدم في العمر دون إنجاز يذكر يصبح تجاهلها أفضل، حسنًا بس ليه ألم فظيع بس يكون يوم عادي؟ الحياة بخيلة معي، أدرب نفسي على الرضا والامتنان لبعض طيبها، ولا تنفك تقذفني بلا مقدمات في حلقة جديدة من الحظ العاثر والمصاعب، لا أملك أمامها سوى الانحناء. كان يوم عصيبًا، أقول هذا كثيرًا مؤخرًا، حسنًا إنها الحقيقة. كسرت الثلاثين وحدي، وهذا كافٍ ليفاقم وجعي بدرجة عصية على التحمل. وأنا مازلت آملة في أن الأخرة خير من الأولى.

سلمى تكتب- اليوم السابع والأربعون

قلبي يتضرع إلى الله بدعائين أساسيين منذ بداية رمضان، أقول لنفسي: دعونا بأحدهما سابقًا كثيرًا ولم يستجب، فلم ندع؟ ربما حكمة الخالق في المنع، وعلينا الرضا بما قسم، لأرد على نفسي: وربما حكمته أن نلهج بالدعاء ونتقرب به، ويكون الرضا والصبر مع الدعاء لا اليأس. أدعو، أحيانًا بطريقة آلية وأحيانًا أخر بيقين ودمعي يسيل على ثوب صلاتي، كأن أبواب السماء ستفتح لي وحدي، ويغمرني الله برزق لم يخطر على قلب بشر، وتأتي الغيمة بعد جدب لتبلل القلب المعطوب. فيا رب استجب، وتقبل وأرزقنا الرضا بكل حال.

سلمى تكتب- اليوم السادس والأربعون

يضع السكان أوعية بلاستيكية بعضها للماء والبعض الآخر للطعام، تتناثر أمام البيوت لإطعام القطط الشاردة، في بادرة لطيفة من أهالي الحي.  ربما يختلط هذا بأعمال كثيرة غير صالحة، أبرزها أكوام القمامة المتناثرة في المساحة الخضراء بين البيوت، وهذا حال البشر يختلط صالح عملهم بطالحه، يزيد هذا فوق ذاك، لكنهم بشر في النهاية. انتبهت لهذه الملاحظة عندما قابلني منشور عن مقال لم أقرأه، يحكي كيف يهاجم الناس ممثلًا ظهر في صورة يتعبد، وأخذوا يقذفونه بأحكامهم وانعدام قيمة ما يعمل وأن الله -حاشاه لا يعلم الغيب إلا هو- لن يتقبل عمله، ويسمعونه من الكلمات ما ييئسه من رحمة الله. هذا الممثل تحديدًا له سابقة هداية وحين تعثر سلقه الناس وعلى رأسهم المشايخ والدعاة بألسنتهم، لم يطمئنه أحد منهم بسعة رحمة الله، ولم يمدوا له طوق نجاة. دائمًا أرجو الله أن يعيده إليه، فكل خير في النفوس يترقق القلب أمامه، ولكن الناس تنسى وتحكم، والله لا ينسى ولا يمل حتى تملوا.

سلمى تكتب- اليوم الخامس والأربعون

بدأ اليوم بشكل سيء جدًا، كوابيس مزعجة للغاية أصحو منها أملًا أن أقطعها، ماتروشكا من الأحداث المتلاحقة المخيفة والكثير من التفاصيل، استغفر وأغير وضعية النوم ليهجم كابوس آخر أشد قسوة من الأول. أصحو بشفاه بيضاء من شدة الرعب وبجسد متكسر كأنها خرج لتوه من معركة ضارية، ألملم نفسي وأجرها من السرير كي استعد للعمل، ألم فوق ألم مزمن أعانيه كظلمات بعضها فوق بعض. حاولت نفض الألم عني بلا جدوى، جسدي أصبح خشبًا مسندة إلى بعضها وانتفى عنه كل حيوية ومرونة، كل الحركات صعبة كل الأوضاع بلا راحة. أجرجر نفسي للمنزل في طريق العودة، أكسر صيامي وألوذ بسريري بحثًا عن بعض الراحة، ثم أبكيني حتى صلاة العشاء لأني فشلت في النوم هربًا من كل هذا الألم.

سلمى تكتب- اليوم الرابع والأربعون

‏"إن كنت قلته فقد علمته" توقفت لبعض الوقت أمام الآية، مطَمئن أن الله يعلم ومخيف كذلك أنه يعلم، كم مرة ادعى الناس أننا نكذب ولكنا صدقنا؟ كم مرة غيرنا الحقائق وقصصنا الحدث بطريقة مختلفة؟ كم مرة شككنا في نوايانا وما تنطق به ألسنتنا وكان الله شاهدًا علينا؟ أكره الكذب، والاتفاف حول الحقيقة وتزييف القول لتجنب العواقب غير المرجوة، أكره نفسي حين أضطر لتغيير الكلمات لتبدو أكثر تماسكًا وأقل عرضة للمشكلات، وأحاول قدر ما أستطيع التمسك بالصدق. استغرب من كل كاذب لا يتحرج من فعله، كل مروج لشيء يعلم ضرره أو انعدام فائدته، تقديم المنفعة والربح على مخافة قول الزور. لأتذكر كيف ختم الله السورة بقوله: "هذا يوم ينفع الصادقون صدقهم" فأطمئن لوعده وأخاف أن أكون من الخاسرين.

سلمى تكتب- اليوم الثاني والأربعون

دخل المكان يدفع الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه، يتحرك بمرح وثبات ويتعامل معها بحب جم، يسألها أيهما تفضل ثم يشتريهما معًا كأب محب لا يقاوم نظرة عيني طفلته المدللة. يوجد نوع من البشر يتعامل بصبر وود مع تقلبات الحياة دون تحميلك معروفًا لأنه فعل، يساندك ببساطة ويغدق عليك الحب بلا أي ذكر لتضحية أو تحسر على حظ عاثر لكونه معك في القارب المثقوب في قلب البحر، ويكون لطفه مع الجميع أكبر من قدرتك على تخيله. يعطيها الهدية المصاحبة للطلب، يمازحها ويدفع الكرسي بعيدًا تلفهما الدعوات بالبركة ودوام الألفة. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الحادي والأربعون

نصب الأطفال خيمة في المساحة الخضراء التي تتوسط المربع السكني، مررت بهم في الطريق إلى العمل وأخبرت لت أحد الصغار الذي أطل برأسه خارج الصرح أنها "حلوة أوي" ابتسمت في سعادة كأني من يلعب داخلها لا هم. كان الأمس ثقيلًا، استعمل هذه الكلمة كثيرًا مؤخرًا، حاولت فيه التماسك والاستمتاع باللحظة والتغاضي عن كل الأحداث، ثم انهارت دفاعاتي في نهاية اليوم وانخرطت في بكاء مرير. وحين مررت بالخيمة، المصنوعة من الملاءات القديمة، كنت خفيفة لبضع ثوان وتبسم قلبي حقًا، لفرحة الأطفال ببنائهم وذكرياتي عن اللعب في هذا العمر رغم كل شيء. لحظات كهذه تخفف وطأة الحياة، لا تكفي لتلغي مرارتها بالكلية، فقط تضيف بعض الحلاوة عليها. #سلمى_تكتب_٧٥يوم