المشاركات

عرض المشاركات من مارس, 2023

سلمى تكتب- اليوم الأربعون

مات الولد. نبكي أنفسنا لا الموتى في كل عزاء، نبكي من الخوف والفجأة والترك، نبكي لأن الحياة غادرة ورخيصة، نبكي لأننا الموتى الذين لم يعلم بفنائهم أحد. يمر خبر وفاة البعض كسطر في جريدة لا تتوقف عنده كثيرًا، ويصفعك آخر كموضوع الصفحة الأولى بأعرض خط ممكن، ينغرس أثره عميقًا في فؤادك، لا لقربه ولا لخصوصية العلاقة إنما هي الظروف التي تلقيت فيها الخبر، حالك في لحظتها، ومخزون الدمع المكتوم. يربكني الموت ويشل قدرتي على التفكير، يجعلني أجدف في بحر من الرمال وأغرق في الأسى، لكن الحياة لا تنتظر دمعي ليجف وتقذفني في تقلباتها أو خبر موت آخر. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثامن والعشرون

صبرت صبرت ثم فشلت في الاختبار. صحيح يا ست سوما "إنما للصبر حدود"، يتحمل المرء الضغط في البيت في العمل في الشارع، مشكلات شتى وسخافة تقطر من الناس تجعل الحياة خانقة، يصبرويتجلد ويسأل الله الحلم ثم ينفجر من الضغط بعد طول صبر. هل ضيعت جزاء صبري وتجاوزي عن الصغائر حين فشلت؟ هل هذا فشل بالضرورة؟ ما كان بيدي حيلة، منهكة ومثقلة وآكل الكدر وأقول: ما عند الله خير وأبقى، غدًاتأتي الغيمة وتبلل القلب المعطوب، لكن الحياة تزيد من أثقالها فأمشي كأحدب نوتردام أحمل صخرة ضخمة خفية من المشاعر والآلام، وأظل أصبر وأحاول كي لا أنسحق تحتها. متى أتخلص من الصخرة؟ أم أنها لعنتي السيزيفية؟ #سلمى_تكتب_٧٥يوم 

سلمى تكتب- اليوم السابع والثلاثون

لا شيء يدور في رأسي لأكتب عنه، والكثير يدور في الوقت ذاته، يشبه الدخول إلى منزل فارغ من أهله لكنه مليء بالكراكيب، فلا هو فارغ يرتد الصوت فيه ولا مأهول ومؤثث، فوضى من اللاشيء. في بعض الأوقات لا أفهم ما يحدث مع أفكاري، أظن أني هادئة وعقلي خامل، ثم أفاجأ بسيل من الأفكار وأنا أغسل وجهي في الصباح، متى استيقظ عقلي لينهمر هكذا؟! كل وقت عمل طويل لا استعمل كل حواسي فيه وأشغل المستريح منها، هو عذاب مستمر وآمال عظيمة في انتهاء الألم ومقدم الفرح، تتكسر كموج عارم على صخرة اليقظة. أحيانًا يصبح عقلي مشغولًا لدرجة تشله عن التركيز في أي شيء، الصلاة دون تشتت جهاد، والعمل دون أخطاء ضرب من الخيال وقطع هذا الانشغال مستحيل الحدوث. هل فهمت شيئًا من ما قلت؟ لا أعلم فالأفكار تتلقفني ككرة من الصوف بين أنيابها منذ فتحت عيني، والكتابة تقاتل للخلاص منها. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم السادس والثلاثون

اختارت العائلة بيتًا جدرانه من الصبار الشائك وذا جو جاف خانق للسكنى، كما يختار أبطال فيلم الرعب أبعد البيوت ملائمة عن الأمان والراحة ليعيشوا فيه أيامهم النحسات. في بيت كهذا لا يمكنك الاستناد إلى الحائط لتمنع نفسك من السقوط، ولا إراحة ظهرك عليها بعد يوم شاق، الشوك في كل مكان وسبيل النجاة هو تجنبك للجدران طوال الوقت، والتحرك بلا سند في قلب هذا البيت. كبر أطفال الأسرة البائسة في بيت بلا حوائط كأنهم في العراء، بل أسوء لأن العراء لا يدميك كلما نسيت وتلمسته، كبروا وقد تعلموا الدرس جيدًا: لا تستند إلى بيتك وإلا قتلك. ذات نهار ضاعت الطفلة الصغرى في الأدغال الجافة حول البيت، خرجت في جهة خضراء غريبة ورآها أصحاب الكوخ الصغير في صدر ما عرفت لاحقًا أنها حديقة. أدخلها صاحب البيت ريثما يفهمان منها -هو وزوجته- كيف أتت ومن أهلها، كانت الصغيرة مشدوهة تتطلع إلى الجدران الناعمة بلا شوك، تنظر برعب إلى المرأة تسند جيدها إلى الحائط دون أن يتلون بالدماء. بعد بضع ساعات من البحث وصلوا إلى بيت الصبار، دخلت الصغيرة لتخبر إخوتها عن المعجزة، اندفعت محتضنة الحائط فتلون بالدماء. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الخامس والثلاثون

"إلا الصيام فهو لي" أرى حال الصيام كعمل بين العبد وربه كحال كلي لرمضان، أحب الأعمال في خلوة وحدي واستشعر خصوصية الشهر بيني وبين خالقي لا الإثابة على الصيام فحسب. تفرض طبيعة الشهر وأوقاته أن أكون وحدي أغلب الوقت، في حال مستكين وقلب هاديء على غير ذلك من أيام، وتفرد يجعل للعبادة بعدًا جديدًا من الصلة، أنفصل عن جموع الناس لأتصل برب الناس. كل عمل في رمضان بالنسبة لي هو خطوة في السير نحو الله، سير فرداني من نفسي إلى جوار المولى، كل كلمة وكل كظم للغيظ وكل ركعة قيام هي لبنات في بناء صرح من الصلة الأهم في حياة المرء. أرجو من الله أن يكون وجهتي أينما وجهت وجهي في رمضان، منه المبتدأ وإليه المنتهى. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثالث والثلاثون

لا أفهم إصرار البعض على الإجابة بالمنطلق على أسباب قيامنا بطاعة ما، الصيام لنستشعر الفقراء، الصلاة تمارين رياضية والزكاة لإرساء مبدأ التكافل، وهي تعليلات تحمل شيئًا من الوجاهة لكنها ليست صحيحة كسبب رئيس، الطاعة هكذا لأنها أمر الله لنا، ذلك تأويل ما لم نستطع عليه صبرًا. لا ضير في تحقق فائدة دنيوية أو مكسب روحي من الطاعة، المشكلة هي التركيز عليها فقط واستبعاد فكرة العبودية، والامتثال للأوامر والتسليم بحتمية الحكمة المحجوبة عنا ويعلمها عالم الغيب والشهادة. في حياتنا اليومية نعتنق النفعية المادية كسبب للعمل والإنجاز، وهو ما لا يصلح للدين، تسمو الأديان فوق النفعية وعجلتها الطاحنة، إلى عالم من الغيبي والروحي والامتثال دون مساءلة للرب، فهو لا يُسأل عما يفعل وهم يسئلون. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثاني والثلاثون

أجلس في هدوء دون حركة أو صراخ بينما يعالج الطبيب أسناني، فقط تأوه بسيط حين ضغط بشدة على ضرسي، تذكرت حينها جملة قالتها لي اختصاصية البشرة وهي تباشر جلسة تنظيف البشرة وأنا مستسلمة دون أن أنبس بحرف، قالت: "لابد أنك مررت بألم عظيم، لا أحد يجلس هنا ساكنًا سوى من خابر الكثير من الأوجاع التي تهون البقية بجوارها." كانت محقة، خابرت الألم كثيرًا، في أيام كان جسدي كله يصرخ ولا شيء قادر على إسكاته، جربت آلامًا مميتة لأيام وأحيانًا لأسابيع، في صغري وشبابي وبأشكال شتى، كنت أهزم الألم في النهاية لكن بالكثير من آثاره على جسدي وقلبي الممزقين، وأفوز في النهاية لتأتي الأيام بمعركة جديدة. كتبت مرة أني أخر العشرة خاصتي، كما كانت تدخرها بطلة فيلم "fault in our stars”، حين يسألها أحدهم عن مقياس الألم تقول في أشده أنه تسعة من عشرة، تدخرها لألم لن تقوى عليه، أملًا أن يخطيء الطريق إليها. ورغم كل هذا، أنا بطلة قوية، هكذا يقول معالجي النفسي، تحملت وتخطيت الكثير من الألم، وما زال في العمر بقية آمل فيها آلامًا عادية لا تحتاج لأية بطولة. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الحادي والثلاثون

غدًا غرة شهر رمضان المبارك، يثير مقدم رمضان الكثير من المشاعر المتضاربة في نفسي، قلق وخوف وفرحة وترقب وأمل في سكينة لروحي. في كل عام أقول: سأستعد مسبقًا وأرتب كياني لولوج الشهر بهمة عالية، واستشعار لإيمانيات هذه الأيام قبل حلولها، لكني انشغل في الحياة والقلق حول كل شيء، لأتفاجأ بقدومه دون استعدادي كالعادة. يا رب أنا أمتك الضعيفة الفقيرة إليك أصلح لي نفسي، وخذني إليك مني وعلمني كيف أسير في الطريق إليك، كن لي معينًا وارزقني من السكينة والسلام فوق ما أتمنى. إلهي كل الأيام في معيتك مقدسة وكل الأعمال الصالحات لا تساوي جناح بعوضة أمام نعمة واحدة من نعمك، وكل رمضان تمد في عمري لأتعبد فيه هو فضل عظيم. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثلاثون

"هي التي تمشي على العشب دون أن تثني منه عودًا واحدًا" هكذا يصف أحمد خالد توفيق ماجي على لسان بطله رفعت إسماعيل، وصف مبالغ لرقتها تتلاشى أمامه الكتلة ويدحض قوانين الفيزياء. اعتدت لسنوات أن لا أطأ العشب في الطريق، استعمل الأرصفة وأدور مسافة أكبر حول الأرض المعشوشبة، أحب الزرع وأكره تدميره ببساطة؛ لكن الحياة أثقل من أن تتركني لتفاصيلي الرقيقة، فتجاوزت الأمر وتعلمت الخطو عبر العشب لأنه تالف ومهمل ومحاولتي لتحاشيه لا تفيده. الكثير من أمور الحياة لا يفيدها حرصي عليها أو رقتي نحوها، وفي بعض الأوقات يصير حرصي معطلًا لحياتي دون تحسين لحياة غيري، فما الفائدة؟ الآن أخطو فوق العشب وينثني تحت قدمي بالطبع، إلا أن روحي تحمل من الرقة ما يفوق وصف رفعت لحبيبته. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم التاسع والعشرون

يصحبني صداع الرأس منذ سن مبكرة، صداع دائم يزداد عنفًا مع كل شيء، ألم الأسنان ويوم دراسة طويل ومشاكل الهضم وبعض الضيق. صداع يكفي لأتقيأ قلبي من فرط الوجع، يعيش معي وينمو في خلفية أيامي بلا توقف. بعض الأيام تتميز وتُحفر في ذاكرتي لأنها بلا صداع بلا ألم وبلا ضغط، يكفيها هذا الامتياز لتصل إلى مرتبة أيام النجاح والأفراح. اليوم الصداع قوي، لدي مشكلة تافهة في العمل تنغص يومي وتزيده بشاعة، أكره العمل وأكره اضطراري إليه وأكره ضيقي أحيانا مع عدم منطقية ذلك لأنه شعور لا بد لي به. كل الأيام سواء في الألم، تعتصر قلبي وتزيد الصداع سوءًا. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثامن والعشرون

نشرت صديقة جميلة تنظم الشعر صورة لنبتة "كف مريم أو زهرة أريحا"، نبتة تباع مجففة على هيئة جذور جدباء تتكور على نفسها، دون أي ملمح للحياة فيها، ما عليك سوى غمرها في الماء لتتحول في مشهد سينمائي إلى الأخضر وتدب فيها الحياة كأنها لم تر جفافًا قط. فكرت كم تشبه الزهرة صديقاتي الجميلات، أجبرتنا صفعات الحياة على التكور حول نفسنا الغضة، نرتدي دروعًا صلبة لتفادي الصدمات والتجارب القاسية، نبدو للناظر من بعيد جذورًا ميتة لا معنى لها، لا نلفت النظر في واجهات العطارين كغيرنا من النبات. لكننا نحمل في دواخلنا عالمًا كاملًا، حدائق غناء ذات بهجة، فقط بضعة أكواب من الاهتمام، القليل من الصبر، ولا حاجة لأي نور كي نتفتح، نكشف عن جمال أخاذ، وأخضر كثير يدهشك خروجه من بين جذور تبدو في أحسن الأحوال ميتة. في كل مرة ترى فتاة صلبة، فكّر: "أي جنة تختبىء خلف أبوابها السرية؟" #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم السابع والعشرون

شاطر ومشطور وبينهما طازج" أضحك من الجملة كلما تذكرت أستاذ العربية يخبرنا بأنها كانت إحدى محاولات تعريب كلمة "سندوتش"، تشعر بأنك تطلب قربانًا لا وجبة خفيفة تأكلها. تذكرت الجملة بالأمس، كل المرات التي أتى فيها الفرح، يحضر نفسه بين الأحزان والعرقلات المفاجئة بدءًا من انشقاق فستان إحداهن إلى انقطاع الكهرباء والماء في يوم عرس، جدالات بين كل الأطراف، والكثير من المهام التي تؤجج الجو بالتوتر. يتلاشى كل هذا في لحظة الفرح، يبدأ اليوم بحدثه السعيد فتتراجع العثرات، ويتغاضى الكل عن المشكلات، وننخرط في السعادة كأننا لم نر حزنًا قط. تشاطرنا الأحزان كل أوقات السعادة، وتشطرها في خضمها أحيانًا ولا يتبقى في آخر اليوم سوى طزاجة السعادة.

سلمى تكتب- اليوم الخامس والعشرون

كان اليوم ثقيلًا، واحد من الأيام التي أتمنى فيها ضرب كل شيء عرض الحائط، وترك النار لتأكل الأخضر واليابس وألوذ بعزلتي وسريري. يختبرني العالم كل يوم، أتحمل هذا بجلد، يزيد من ضغطه على أعصابي وطاقتي، أكبح غيظي وعصبيتي وأتحاشى تأجيج المشكلات، لكنه لا يكتفي. صرخ فلان اليوم في وجهي بلا داعٍ، وعاملتني أخرى بقلة ذوق متناهية، ولم يكن مني سوى طبع ابتسامة محايدة ووجه جامد احترافي لأننا في العمل. دائرة الوقاحة لا تتوقف، الحياة تضغط أكثر فأكثر وأنا أصبر وأكبت البركان الذي يوشك على الانفجار كلما اختبرته النوائب. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الرابع والعشرون

دعوت الله ذات مساء أن يجعل فؤادي كأفئدة الطير، لست أرق الخلائق بل ربنا يراني البعض بعيدة كل البعد عن الرقة واللين، لكني أعرف نفسي وأنا وحدي القادرة على تأكيد تحقق هذه الصورة. اليوم أربت على حيوانات الشارع، أضع لها بعض الطعام وأرق لضعفها. أحاول تفهم ما وراء طبائع الناس وغلظتهم، التحرك إلى مستوى الفكر والتعامل الذي يريحهم، وتجاوز الكثير من أخطائهم. أحيانًا أقوم ببادرة طيبة خيرة بلا معرفة أحد، وأشعر بحسن قلبي وصدق نيتي فيما أعلن من خير لأني أسّر ما هو أفضل منه، وأحمد الله لاستعماله إياي، أنا الفقيرة على باب الغني المغني.  أفقد بوصلتي مع مصاعب الحياة، وتتصدر المشهد شخصية صلبة لتحملها والتعامل معها، أنهار في لحظات الوحدة لفرط ما تلبست القوة، وألعن العالم وأتعهد بصب جام غضبي عليه منذ اللحظة، ثم استيقظ في الصباح أداعب قطة في الطريق إلى العمل وأدعو الله بلين القلب. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثالث والعشرون

في شرفة منزلنا القديم تخيلتنا معًا، أحب تلك الشرفة وكل أحلامي عن البيت الذي أتمناه توجد بها شرفة مشابهة. كنا نفترش الأرض وحولنا بعض الكتب والمجلات وكاسات الشاي وبعد الأطعمة الخفيفة، الشمس تعانق وجهك بدلال مع نسمة مساء شتوي تداعب غرتي من حين لآخر. نبدو منشغلين بحل أحجية ما في المجلة أمامنا، كم أنت ظريف عندما تصب تركيزك على شيء ما، وفجأة تقترب مني ويلفني ذراعك وأنت ترفع الورقة ليظهر حل الأحجية يشفه ضوء الشمس، تنظر لي فرحًا منتظرًا رد فعلي، ووجهانا كشريكين يتعانقان في رقصة تانجو . لا يهمني اكتشاف حل اللغز في هذه اللحظة، بل إجابة سؤالك في الأسبوع الماضي "هل تقبلين أن تشاركيني حل الأحجيات لما تبقى من عمرنا؟"  أني أريد ذلك وبشدة، أنك القطعة المتممة لأحجيتي الناقصة منذ زمن. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثاني والعشرون

لا أعرف كيف يتسامى المرء فوق ما خَبُره، أن ينخلع من علمه ومشكلاته وحواضن قلقه الوجودي، ويعيش خفيفًا كأنه غُمس في نهر من نور سحري يخرج منه جديدًا وبقلب متصالح مع كل شيء؟ كنت أحاول اصطياد فكرة ما لأكتب عنها، حين خطر ببالي منشور يحكي كم هو تعيس من عاش في خناق تجربة ما بعد انتهائها، مع التفهم التام للتجارب القاسية، فالعيش ضحية لها ما بقي من العمر أقسى. لهذا كان التساؤل أعلاه، والخوف من اللحاق بركب التعساء الذين حصروا حياتهم في بقعة الظلام الأحلك، وصاروا سجناءها. أنفض ثقل الفكرة نفسها عن رأسي، استعيذ بالله منها، أتذكر كم مرة تشبثت بالألم كي يظل شاهدًا على جراحي، وكم مرة تعاملت بحكمة اكسبتنيها التجربة دون استدعاء لطمية الصدمة النفسية، وترى متى سأتوقف عن هكذا تساؤل لأني تجاوزته بالفعل، غرفت من النهر وأصبح فؤادي طيرًا خفيفًا. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الحادي والعشرون

أنا شخص لا يعرف الخطط، لم أكتب يومًا أمنياتي للعام الجديد، لم أرسم جدولًا للمذاكرة قط، ولم أعرف طعم الوصول لهدف وضعته وعملت من أجله. لا يعني هذا انعدام تحقق الأماني -على قلة ما تحقق- لكني سُلبت حق التجربة والخطأ، عليّ النجاح في كل مرة، الفشل يعني إني شخص فاشل، مرة واحدة هي الأبد كما يقول كونديرا الوغد. حرمني هذا من لذة الوصول، كنت أتيه بلا وجهة محددة، أسير بخريطة كلها من مدن لا وجود لها، وأخاف أن أصعد الدرجة الأخيرة لوجود احتمال ضئيل بالفشل. ولتكتمل درامية المشهد فحظي عاثر أغلب الوقت، كل طريق أسير فيه مليء بالحفر والمطبات، كل خطوة بسيطة للأمام تستلزم حربًا، وكل روتين معتاد يستنزف طاقتي فلا يتبقى لدي أي رغبة أو أمل. تصالحت مع خوفي وحظي العاثر وطاقتي المحدودة، تعلمت الصبر والهدوء في المواقف السيئة ولكن قلبي مزقه طول الأمل الذي يأتي ويذهب . #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم العشرون

يحسدنا الجيران على رائحة الخَبز ودخان الموقد المتصاعد من بيتنا، خَبز لا ينقطع معظم العام كأنه وليمة متواصلة لأفراح شتى. لا يعلم أحد كنه ما يُخبز، في بيتنا نخمّر مستصغر الحزن في بطرمانات نحفظها في مكان دفأته الصراعات بنار لا تخمد، يتكاثر ويفيض بشكل سرطاني فنخزنه ونطهو منه كل يوم، نلوكُه في كل الأوقات ونستعيض به عن كل زاد طيب. وحين يأتينا طعام ممزوج بفرح دخيل نتخلص منه، نهبه لأحد الجيران الحاسدين، يطهونه ويكثرون مرقته بكل سعادة مدخرة لديهم، ويصبح لديهم وليمة فرح لذيذ معتقدين أن طعمها الشهي هو ما نتناوله طوال الوقت،  فيدعون لنا بدوام رائحة الخبز الذي تذوقوه أخيرًا، فتتكاثر عجينة الأسى لدينا بدعواتهم، فنلوكها لأعوام أخر. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم التاسع عشر

رأيت فيما يرى النائم عالمًا يتهاوى وبيوتًا تتهدم ودمارًا يعيث في الأرض فسادًا. يظهر من بين الخلائق رجل آتاه الله من العلم والحكمة، كذي القرنين لكنه لا يطلب منا قوة تعينه لإصلاح ما فسد، بل قلوبًا موقنة واستحضارًا لبركة الخالق الذي يخرج الحي من الميت، أن نؤمن بقدرتنا على رفع السقف بأعيننا وتشييد المدينة بنور الله ومعجزاته، بإيمان لا يخالطه شك، أنا قد مننا عليكم مرةً أخرى. كنا -في الحلم- نستحضر معية الخالق فنطفو في الهواء ونقطع المسافات وننقل الأدوات دون جهد يذكر، وترتفع أساسات المدينة تحتنا بقوة كشجرة تنطلق في النمو بأصل ثابت من اليقين في أن الله معنا، وسقف يعلو في السماء بحوله وقوته. أما الصادقون المؤمنون فكانوا فراشات مضيئة في نسيج السماء الداكن، يرفرفون كأنهم خلقوا منذ البدء بأجنحة، ويسبحون بحمد ربهم كي لا يسقطوا أرضًا إن هم نسوا الله، صاحب الفضل الذي لا يعجزه شيء. فآمنوا وصدقوا واسجدوا لله شاكرين. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثامن عشر

لا أعرف ما الفائدة من الكتابة في الوقت الذي يغيب فيه الدافع وبذرة الفكرة الجيدة، سوى القدرة على الاستمرار وكسر حلقات الخواء والكسل. أن استمر هو أن أنجح، قاعدة بسيطة لأي مهارة أو عادة لتؤتي بثمارها، وهذا وحده أكثر من كافٍ لأحاول. أحيانًا أتساءل: ترى ماذا سنكتب في اليوم الخمسين؟ والأهم هل سنتابع التدوين حتى ذلك اليوم؟ وكلا السؤالان لا يجيب عنهما سوى الوقت.  ربما لا تحتاج الحياة منا حين نفتر إلا دفعة بسيطة للأمام يومًا بعد يوم، علنا نصل في نهاية المطاف.

سلمى تكتب-اليوم السابع عشر

يُقال أن الشخص البالغ الذي بإمكانه طمأنة الطفل الذي كنته هو أنت الآن، أنت الواعي والمكتشف لذاته وصدماته وطرق تعبيره، أنت أمانك الحقيقي. في أوقات الهدوء النسبي استشعر هذا، كم أنا أم جميلة ومناسبة واستطيع تربية طفل آمن، بل أريد لو أصير أمًا في الحال، لينعم طفل محظوظ بحبي وفهمي. وفي أوقات الحوادث المحفزة لصدماتي أحمد الله لأني لست أمًا، لن أشوه نفسية أحد أو أجعله يكرهني ويكره العالم، ولن أعاقب نفسي على التقصير في حق طفل لأن مزاجي معكر ولا طاقة لي. ومع هذا أقوم بالدور مع ذاتي، أوبخني حين أخطئ وأضمني في لحظات الأسى، وأتوقع من نفسي مثالية خيالية عصية على التحقيق. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب_اليوم الخامس عشر

وأعلم يا رعاك الله أنك لم تؤتَ علم سليمان ولا صبر أيوب، وكل ما تعلم ربما لا يفيدك في موضع صبر، وكل ما تصبر عليه ما كنت عالمًا بثماره. وأن الدنيا زائلة فلا تأخذها بمحمل الجد، وأنها زائلة فاقدم ولا تخف. وكل ما أهمك زادك تواضعًا وفهمًا، وكلما زدت تواضعًا وفهمًا صغر في عينك ما أهمك. وأنك في الدنيا مسافر كلما خف متاعه وتشبثه بأرضه، كلما يسرت له الطريق وأسرع إلى وجهته، وأين ما تولي فثم وجه الله. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الرابع عشر

الحب على حقيقته أمنٌ بعد خوف، واطمئنان إلى وجودك من القلق في غيابك وسكينة لفؤادي الحائر في كنفك. أن تصير مرآتي، أطالع عينك لأرى نفسي على حقيقتها، أسألك هل أنا جميلة؟ وأصدق كوني أجمل نساء الأرض بلا أي شك لأنك قلت.  أضحك في حضرتك فتتكاثر الضحكات بمشاركتك اللحظة، أنزع أسلحتي ودروعي وأغرق في البكاء فيتبخر دمعي في حضنك الدافيء، ويتكاثف حنانك حول الأيام الجدباء ويتساقط على قلبي، فيعود أخضرًا يانعًا.  الحب ليس اهتداء للطريق الواصلة بين قلبينا، بل خلق الطريق، طواعية وفي معية. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم الثاني عشر

تحكي قصة عن إخطبوط وحيد يريد مصادقة قرش، فطلب منه القرش إحدى أذرعه ليأكلها ويسد جوعه، كقربان ليصيرا صديقين بعد ذلك.  سيقدم الإخطبوط ذراعًا تلو الأخرى، ستدميه التضحيات ثم يفنى في سبيل هذه الصداقة. القصة من فيلم أحبه، ورغم مأساتها ودلالاتها في سياق الفيلم، شحذت فكرة جديدة اليوم. في كل مرة تبخل الحياة عليّ، أتذكر جودها في أصدقائي فأغفر لها. لم يكونوا يومًا القرش في القصة، كنا جميعًا حفنة من الأخاطب، يرانا الناظر من بعيد ككتلة متشابكة بلا معنى بينما نحن متلاحمين، يمد الجميع أذرعهم لنحتضن بعضنا بعضًا، يعطي كل منا بلا تضحية بلا جراح وبلا خوف، ولكنا نفنى من أجل بعضنا بكل ما تملكه قلوبنا من طاقة، لكي لا نصبح لقمة سائغة في فم القرش. #سلمى_تكتب_٧٥يوم

سلمى تكتب- اليوم العاشر

لا يكفي عقبة أو طريق متعثر لكل خطوة في حياتي، بل تكون نقطة الوصول في حقل مرصع بالألغام. لا يهم حجم الأمر ولا أهميته من عدمها، فعلى الأغلب لن يكون سهلًا، لا شيء سهل في الواقع بشكل كامل، لكن الأمور تخصني بصعوبة إضافية من باب التسلية؛ يرهقها السهل اعطها العصي. حين سألني صديقي: من يضع الألغام ويتآمر عليك؟ أي كيان هذا الذي لا يرأف بحالك؟ لم أجد جوابًا محددًا، حاولنا فهم الشرير في القصة ولم نفلح. وحينها أخبرني في حزم: لديك جهاز التحكم في الأحداث، كل ما عليك هو أن تحركي ساكنًا لتصبح النتيجة من صنع يديك. لا يهم كم هو عصي ومرهق، فقط اطرقي باب الخزان قبل أن تخنقك يد الشرير. سلمى_تكتب_٧٥يوم#