سحر

أنا امرأة تُحيل أكثر الأشياء رتابة لقطع من جمال، بداية من مناديل المقاهي التي تصبح ورودًا إلى التعابير المجازية، كتلك المرة التي وصفت فيها الشامة الكبيرة في الوجه بأنها "حبة توت برية هاربة". 
أملك قدرة آسرة على الانغماس في الحديث والتفاعل معه والظهور بدور الراوي الحكيم في قصص لم أكتبها، تعلمت من الأدب والفن كل ما يلزمني لأحول صفحة باهتة للوحة فنية أو نص نثري، بكل صدق وتلقائية.

حين تخبرني كم تحب إيطاليا وكم تتمنى زيارتها مرة أخرى، سأسرد لك كيف يكون المشي في دهاليز شوارعها ليلًا، سأحدثك عن طباع أهلها وكيف يشبهون أهل بلادي، سأصف لك رائحة العجين والمطر في مقهى صغير يقع في قلب ابيزا، وسأقترح عليك مطعمًا في نابولي لتجربه في إن واتتك الفرصة يومًا، سأفعل هذا بسلاسة، أنا التي لم تطأ قدمي غير بضع مدن داخل موطني.

وإذا تحمستَ لفيلم جديد منتظر، سنتناقش حول المخرج وأعماله وتوقعاتي للحبكة، بناء على الإعلان التشويقي وتصريحات الممثلين، سيتشعب الحديث ويطول عن الإخراج والرؤية، وفلسفة ذاك السناريست وخلافه مع شركة إنتاج شهيرة، بحماسة الطفل البطل في "سينما براديسيو" -ها أنا ذا استعمل تشبيهًا سنيمائيًا كأن لا شغل لي سوى الفن-. 

وما بين القدرة لتحويل كل حدث عابر لذكرى خلابة وأحاديثي معك، فأنا لامرئية ولا شيء لدي سوى الصمت والوحشة. 
وحدي.. أمضي بلا أي حماس تجاه العالم أو الحياة، يصير اليوم نسخة مشوهة عن الأمس، كفأر يدور في عجلة داخل سجنه، لا أصل لأي مكان، لا أتحرك في الواقع.
أمضي.. بعينين مفتوحتين على سراب رمادي، بوجه لا يحمل أي ملمح من روح صاحبته، وحتى تلك الروح التي تطفو على السطح في وجودك، أراقبها تتآكل ببطء مع الوقت.
أسأل نفسي -ساعة تعصف الأفكار والمشاعر بي بشدة-: هل يبقى من هذي الروح جذوة ما لتنتفض -ذات يوم- بدفء وصالك من بين رماد العمر؟

١٠ ديسمبر ٢٠٢١

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سلمى تكتب- اليوم الرابع والأربعون

سلمى تكتب- اليوم الحادي والأربعون

سلمى تكتب- اليوم الثاني والستون