المشاركات

عرض المشاركات من 2021

سحر

أنا امرأة تُحيل أكثر الأشياء رتابة لقطع من جمال، بداية من مناديل المقاهي التي تصبح ورودًا إلى التعابير المجازية، كتلك المرة التي وصفت فيها الشامة الكبيرة في الوجه بأنها "حبة توت برية هاربة".  أملك قدرة آسرة على الانغماس في الحديث والتفاعل معه والظهور بدور الراوي الحكيم في قصص لم أكتبها، تعلمت من الأدب والفن كل ما يلزمني لأحول صفحة باهتة للوحة فنية أو نص نثري، بكل صدق وتلقائية. حين تخبرني كم تحب إيطاليا وكم تتمنى زيارتها مرة أخرى، سأسرد لك كيف يكون المشي في دهاليز شوارعها ليلًا، سأحدثك عن طباع أهلها وكيف يشبهون أهل بلادي، سأصف لك رائحة العجين والمطر في مقهى صغير يقع في قلب ابيزا، وسأقترح عليك مطعمًا في نابولي لتجربه في إن واتتك الفرصة يومًا، سأفعل هذا بسلاسة، أنا التي لم تطأ قدمي غير بضع مدن داخل موطني. وإذا تحمستَ لفيلم جديد منتظر، سنتناقش حول المخرج وأعماله وتوقعاتي للحبكة، بناء على الإعلان التشويقي وتصريحات الممثلين، سيتشعب الحديث ويطول عن الإخراج والرؤية، وفلسفة ذاك السناريست وخلافه مع شركة إنتاج شهيرة، بحماسة الطفل البطل في "سينما براديسيو" -ها أنا ذا استعمل تشب...

موت ‏وقرارات

صورة
     Christian schloe  كلما فاجأني الموت، وعصر خوفي من الفقد قلبي، أقول: لابد أن أعيش حياتي بامتلاء أكثر، وروح فرحة، وقلب يعلم قيمة الساعة التي تمضي إلى غير رجعة. أعاهد نفسي أن أحب حياتي وأتقبل عثراتها، أن أقابل كل الأصدقاء الذين لم اجتمع بيهم منذ زمن، أن لا أعاني من الوحدة ثانية أبداً. لكن الإنسان ضعيف نسايّ، يأتي الغد وبعد الغد وتضيع الساعات ويتفرق الأصدقاء وتتعاظم الوحدة في جوفي ولا أحرك ساكنًا. لا تحدث الأشياء بهذه السهولة، يومٌ أصحو فيه دون ضيق من كوابيسي وأجد حليبًا يكفي لكوب قهوتي بالحليب يصبح انتصارًا، كل لقاء مع الأصدقاء بعد ترتيبات كثيرة فاشلة يصبح وقتًا كافيًا لإخماد الأشباح في رأسي دون نفضها بعيدًا، وكل فعل على قائمة الأمنيات يثقله نقص الرغبة والمال والأوبئة العالمية والاحتباس الحراري وغيابك. لست مكتئبة، منذ سنوات ودعت صوت الاكتئاب في عقلي واستأصلت جذوره من روحي ومضيت في مشوار تعافيّ، وأنا أعلم أنه طريق طويل لا يهم فيه الوصول بل الخطوات، كل خطوة فيه تبعدني عن الموت وأنا مازلت على قيد الحياة، كل خطوة تذكرني: "ما زلت حيًا في مكان ما.. وأَعرفُ أن...

عين ‏زجاجية

صورة
حبي الأول؟ كان يملك عينًا زجاجية -حقيقة لا مجازًا-، عين تنفتح على اللاشيء أثر حادث قديم أودى بنورها.  لذا ربما لم يستطع أن يحبني جيدًا، كان يراني بنصف زوج من العيون، نصف قلب، ونصف حضور، ومع هذا لم أشعر بنصف حب، فقد شعرت دائمًا بنقص ما في نفسي، فشعرت كأن لاشيء مفقود.. كأنني استحق النقص في حبي الأول -ووهمي الكبير- وعلي الامتنان له. لم أشر يومًا لكرة الزجاج المستقرة في وجهه، لم أسأله يومًا عن السبب أو إذا ما تزال تؤلمه، واكتفيت ببعض البحث لأفهم ما جرى.  الحب ساذج طائش، كنت أطير سعادة من أقل بادرة لطف، سؤال عن الحال، ونداء "أميرتي الحلوة" الذي خصني به -أو هكذا ظننت-. تشاركنا الأحلام، واللوحات الجميلة، والموسيقى السرية الأحب، والكثير من البريد المغلف بالأخضر المزهر كأنما نسير في حديقة ربيعية، لكننا لم نصرح أبدًا بالحب، لا وضوح ينجيني من لجة الاحتمالات. صمت قصير، ثم انعطافة طريق سلكها وحده دوني، دون حبي، وتفرقت السبل. ارتديت نظاراتي الشمسية لشهور بعدها أواري فجيعتي ودموعي التي لا تلبث أن تهدأ حتى تتفجر ثانية، أما هو فربما لم يبكني في غمار نشوته بتلك الانعطافة من حياته، حتى وإن بكى ...

‎في صالون العقاد كان لنا إفطار

صورة
يصل نجيب محفوظ في بدلة كحلية مخططة إلى بيت مضيفه محمود عباس العقاد القاطن بمصر الجديدة، في تمام الرابعة والنصف عصر أول أيام رمضان، يتلقاه العقاد بابتسامة واهنة ولكنها صادقة كتجاعيد وجهه التي نحتتها الحكمة والزمن، "جئت في موعدك بالثانية.. هذا يصدق ما يقال في التزامك ودقة مواعيدك." "شكرًا" يرد محفوظ: "أعلم أن حياة واحدة لا تكفيك لذا حرصت على أن لا أضيع عليك شيئًا منها." يقترح صاحب البيت الجلوس في شرفة المنزل، فالجو ربيعي ونسيم الهواء لطيف، فيستمتعان بالمنظر ويزجيان الوقت ريثما يصل أحمد بهجت. يستهل العقاد أطراف الحديث مع ضيفه الأديب سائلًا: "ماذا تكتب هذه الأيام؟" يجيبه: "لا أكتب عادة في رمضان، انغمس في روحانياته وأفضل فيه القراءة في السير الدينية والشعر والفلسفة وغيرهما. قراءة الشعر الصوفي في حالة الصيام تجربة فريدة". "أما أنا فقد ارتبط شهر رمضان الكريم بالكتابة والتأليف أيما ارتباط، بل وبصدور كتبي الجديدة أيضًا." يقول العقاد.. "وأعمل حاليًا على كتاب حول الدين والعقيدة." سيحكي العقاد كيف اعتاد الرسول -صلى ا...